مصادر قانون حماية البيئة
خلافأ للعديد من فروع القانون الداخلي، فإن
قانون حماية البيئة يستقي قواعده وأحكامه النظامية من نوعين من المصادر منها ما هي
داخلية وأخرى دولية.
أولا: المصادر
الداخلية
* التشريع la législation وهو عبارة
عن مجموعة القواعد المكتوبة التي تضعها السلطة العامة المختصة في الدولة، وإذا كان
التشريع يعتبر، بوجه عام، أهم المصادر الرسمية أو الأصلية العامة للقواعد
القانونية، إلا أن المتأمل في الأنظمة القانونية لأغلبية الدول يدرك أنها تخلو من
قوانين خاصة بحماية البيئة، بل هي قوانين عامة ومتفرقة، كقوانين الصيد وقوانين
الغابات وقوانين المياه.
* العرف la
coutume والذي يقصد
به في قانون حماية البيئة مجموعة القواعد القانونية التي نشأت في مجال مكافحة
التعدي على البيئة والحفاظ عليها، وجرت العادة بإتباعها بصورة منتظمة ومستمرة،
بحيث ساد الاعتقاد باعتبارها ملزمة وواجبة الاحترام.
إلا أن دور العرف مازال ضئيلا في
ميدان حماية البيئة، بالمقارنة بدوره في فروع القوانين الأخرى، ويرجع ذلك إلى
حداثة الاهتمام بمشكلة حماية البيئة، فلا توجد قواعد أو مقاييس عرفية لحماية
البيئة وإنما توجد فقط بعض المبادئ المبهمة العامة مثل الاستعمال المعقول ، الضرر
الجوهري.
* الفقه la doctrine وهو عبارة عن آراء ودراسات علماء القانون وتوجهاتهم بشأن تفسير
القواعد القانونية.
وقد لعب الفقه دورا كبيرا في مجال التنبيه إلى المشاكل
القانونية التي تثيرها الأخطار التي تهدد البيئة الإنسانية وقد ظهر ذلك بصورة
واضحة أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للبيئة بمدينة استكهولم سنة 1972،
حيث طرحت كثير من الآراء الفقهية للمناقشة حول القواعد القانونية التي ترسم ما
ينبغي أن تكون عليه التدابير والسياسات التي تكفل صيانة بيئة الإنسان والحفاظ على
مواردها الطبيعية وتوازنها الايكولوجي.
ثانيا: المصادر
الدولية
* الاتفاقيات
الدولية والتي تعتبر من أفضل الوسائل نحو إرساء دعائم
قانون حماية البيئة، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل منها الطبيعة الدولية
لمشكلة البيئة، والتي تقتضي التعاون والجهود الجماعية لحلها، ومنها أيضا وجود
المنظمات الدولية العامة والمتخصصة، التي تعمل على تقديم عون حقيقي في مجال إعمال
قواعد حماية البيئة كالمنظمة البحرية الدولية، ومنظمة اليونسكو، ومنظمة الأغذية
والزراعة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية .
ومن الاتفاقيات الدولية المتعلقة
بحماية البيئة نذكر الاتفاقية الدولية المبرمة في بروكسال عام 1969 والمتعلقة
بالتدخل في أعالي البحار في حالات كوارث التلوث بالبترول، واتفاقية لندن لعام 1972
الخاصة بمنع التلوث البحري بإغراق النفايات والمواد الأخرى، كذلك اتفاقية جينف
لعام 1979 المتعلقة بتلوث الهواء بعيد المدى عبر الحدود، واتفاقية فينا لعام 1985
الخاصة بحماية طبقة الأزون، كما نذكر اتفاقية باريس لعام 1972 المتعلقة بحماية
تراث العالم الثقافي والطبيعي.
ولقد صادقت الجزائر على عدد كبير
من الإتفاقيات المتعلقة بحماية البيئة، فمن أول الإتفاقيات التي صادقت عليها
الجزائر بتاريخ 11/12/1967 وهو الإتفاق المتعلق بإنشاء المجلس العام للصيد في
البحر الأبيض المتوسط المبرم في روما بتاريخ 24/09/1949.
كما شاركت الجزائر في ندوة
ستوكهولم سنة 1972، والتي تعتبر أول تجمع دولي حول مسألة حماية البيئة التي كانت
تحت رعاية الأمم المتحدة، واختتمت هذه الندوة بإعلان ستوكهولم الذي يتكون من 26
مبدأ، ومن أهم هذه المبادئ نذكر:
-
مسؤولية الإنسان الخاصة في الحفاظ على التراث الطبيعي من
النباتات والحيوان.
-
العلاقة المتداخلة بين التنمية الإقتصادية والإجتماعية
ودورها في الحفاظ على البيئة.
-
المسؤولية الإيكولوجية وتعويض ضحايا التلوث عن الأضرار
البيئية العابرة للحدود الدولية.
كما صادقت الجزائر على معاهدة ريو دي جانيرو[1]
المتعلقة بالتنوع البيولوجي والمبرمة في جوان 1992 ومن أهم المبادئ التي جاءت
بها هذه المعاهدة:
- إبراز المسؤولية المشتركة للدول
وضرورة التعاون من أجل حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
- إلتزام الدول في إشراك
المواطنين في الإطلاع على معلومات متعلقة بالبيئة.
- إلتزام الدول بوضع
تشريعات متعلقة بالبيئة.
كما انعقدت قمة جوهانسبورغ من 26
أوت إلى 04 سبتمبر 2002 والمتعلقة بالتنمية المستدامة والتي ضمت روؤساء الدول
وممثلي المنظمات الغير الحكومية، وخلصت هذه الندوة إلى أن ضمان التنمية المستدامة
يتحقق من خلال تطوير نوعية حياة لائقة لكل شعوب المعمورة.
ولقد صادقت الجزائر أيضا على عدد كبير من الإتفاقيات الأخرى نذكر منها:
- إتفاقية حماية البحر
الأبيض المتوسط من التلوث المبرمة ببرشلونة في16 فيفري 1976
والمصادق عليها من طرف الجزائر في 26 جانفي 1980.
- إتفاقية قينا لحماية
طبقة الأوزون المبرمة بتاريخ 22 مارس 1985 و المصادق عليها
بمقتضى المرسوم الرئاسي 92/354 المؤرخ في 23 سبتمبر
1992.
- إتفاقية محاربة التصحر
المنعقدة في باريس سنة 1994 و المصادق عليها من طرف الجزائر في 22 ماي 1995
- إتفاقية كيوتو
المتعلقة بالتغيرات المناخية المبرمة بتاريخ 11 ديسمبر 1997 والمصادق عليها من طرف الجزائر بتاريخ 28 أفريل 2004.
*المبادئ القانونية العامة التي هي عبارة عن مجموعة الأحكام والقواعد التي تقوم
عليها، وتعترف بها، النظم القانونية الداخلية للدول أعضاء المجتمع الدولي. ومن
المبادئ التي نجدها في قانون حماية البيئة، مبدأ حسن الجوار، مبدأ عدم التعسف في
استعمال الحق، مبدأ الملوث الدافع.
*القضاء الدولي إذا كان القضاء يلعب دوراً بناء في إرساء القواعد
القانونية في بعض فروع القانون، كالقانون الإداري والقانون الدولي الخاص، إلا أن
الأحكام القضائية التي تفصل في المنازعات البيئية لا تتجاوز بضع أحكام، عالجت فقط
المسؤولية عن التلوث البيئي.
ففي مجال تلوث الهواء عبر الحدود
نجد حكم محكمة التحكيم بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، في قضية مصنع صهر المعادن
الواقع في مدينة " ترايل" TRAIL الكندية التي تبعد سبعة أميال عن ولاية واشنطن، فقد رفع
النزاع بين الدولتين أمام محكمة تحكيم، وقد ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أن
الأدخنة المتصاعدة من المصنع والمحملة بأكسيد السلفات والكبريت السام بكميات
كبيرة، قد ألحقت أضرارا بالغة بالمزارع والثروة الحيوانية وممتلكات المزارعين في
ولاية واشنطن والمناطق المجاورة، وقد استجابة المحكمة لمطالب الولايات المتحدة
الأمريكية وحكمت بتعويضها عن الأضرار اللاحقة بها[2]
.
وإذا ما
اعتبرنا أن القضاء يعد من المصادر التفسيرية للقانون بوجه عام، وما يصدره من أحكام
منشئة وتقريرية وإلزام في مجال الحماية القضائية للحقوق والمراكز القانونية، فإن
دوره سيكون خلاقا في مجال القانون البيئي
[2]- لقد جاء في حكم محكمة التحكيم بتاريخ 11 مارس 1941 بأنه
" طبقا لمبادئ القانون الدولي و قانون الولايات المتحدة، لا يكون لأي دولة
الحق في استعمال، أو تسمح باستعمال إقليمها على نحو يسبب الضرر، عن طريق الأدخنة،
لإقليم دولة أخرى، أو يضر بممتلكات الأشخاص في ذلك الإقليم عندما تكون الحالة ذات
نتائج خطيرة و يثبت الضرر بأدلة واضحة مقنعة".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire