مقدمة
يحتلّ حقّ الملكيّة الخاصّة أوّلى المراتب في سلّم انشغالات
أولى المجتمعات، فقد كانت القواعد المنظّمة لحقّ الملكيّة الخاصّة المحور الرّئيسيّ
لتشريعات كلّ الدّول. ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى طبيعة الحقّ ذاته. فهو الحقّ
الّذي يستمدّ وجوده من القانون الطّبيعيّ باعتباره إحدى حقوق الإنسان مثلما عبّرت
عن ذلك المادة 17 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بنصّها على: « حقّ كلّ شخص
في التّملّك بمفرده، أو بالمشاركة مع الآخرين ».
مع
أنّه لا يجب أن يذهب بنا مثل هذا الموقف إلى الاعتقاد بطلاقة هذا الحقّ، فالاعتراف
بقداسة حقّ الملكيّة لم يحل أبدا دون الاعتراف للدّولة بحقّ الاستيلاء على
الملكيّة الخاصّة متى اقتضت ذلك دواعي المصلحة العليا للبلاد مقابل تعويض عادل،
ومنصف تدفعه لمالك الأموال المستولي عليها، على اعتبار حقّ الدّولة في هذا المقام
صورة من صور ممارسة الدّولة لسيادتها على إقليمها . ولاسيما بعد التّغير
والتّطور الذي أصاب مصدر حقّ الملكيّة الخاصّة ذاته.
فبعدما
كان مصدره الحقّ الطّبيعي، إذ بالمشرع المكسيكي في عام 1917 بمناسبة صدور الدّستور
المكسيكيّ في 31 جانفي من تلك السّنة يضع مبدأ دستوريّا بموجب المادة 27 منه مفاده
أنّ:
«
ملكيّة الأرض، والمياه داخل حدود الأراضي الوطنيّة هي أصلا ملك الشّعب الّذي
كان ولازال له حقّ نقلها إلى الأفراد منشئا بذلك الملكيّة الخاصّة »([1]).
إنّ مصدر حقّ الملكيّة الخاصّة على هذا النّحو هو الشّعب الذي له بالتّبعيّة
سلطة لا معقب عليها في تقييد، وتنظيم هذا الحقّ على النّحو الذي يتماشى وأهدافه،
وتطلّعاته.
وقد كان من نتائج
التّطوّر الّذي أصاب مصدر حقّ الملكيّة، ورسوخ فكرة حقّ الدّولة في نزع الملكيّة،
أن أقدمت العديد من الدّول - بما فيها تلك المعتنقة للأفكار الرّأسماليّة القائمة
على تقديس الملكيّة الفرديّة – خلال، أو في أعقاب، الحرب العالميّة الأولى على
تحويل بعض الملكيّات الخاصّة إلى ملكيّات عامّة على أكثر من صورة) الاستيلاء، نزع الملكيّة من أجل المنفعة
العامّة، التّأميم، المصادرة
,(وفقا للمفهوم الواسع
لمصطلح نزع الملكيّة المقصود بالمصطلح نفسه الوارد بعنوان هذا البحث.
وإذا
كانت مسألة نزع ملكيّة الوطنيّين بالمفهوم الواسع للمصطلح لم تثرِ أيّ إشكال على
المستوى الدّولي لارتباطها ارتباطا وثيقا بالقانون الدّاخلي لكلّ دولة، تطبيقا
لمبدأ حريّة الدّولة في معاملة رعاياها، مما قلّل من أهميّة دراستها، فإنّ مسألة نزع ملكيّة الأجانب لم تكن أبدا
بهذه البساطة. فهي المسألة التي غذّت النّقاش لوقت طويل لاصطدامها بمبدأ الحدّ
الأدنى من الحماية المعترف به دوليّا للمال الأجنبيّ، وهو ما يبرّر أهميّة
التّعرّض لها بالدّراسة، خاصّة وأنّنا نعيش عصر العولمة، حيث أصبحت الاستثمارات
الأجنبيّة المحرّك الأساسي لعجلة التّنمية في العديد من الدّول، ولاسيما السّائرة
في طريق النّمو منها، والتي من بينها الجزائر.
بناءً
على كلّ ما سبق، ثار تساؤل حول مدى تحقّق مبدأ مشروعيّة حقّ الدّولة في الاستيلاء على حقوق الغير في كلّ من القانون
الدّولي، والتّشريع الجزائري. وعلى افتراض تحقّق المبدأ المذكور، ما هي الضّمانات
المقرّرة بالمقابل في كلّ من القانون الدّوليّ، والتّشريع الجزائريّ للأجنبيّ
المستولى على ملكيّته ؟
ولذلك
فإنّ دراستنا للموضوع ستتركّز على البحث في مدى مشروعيّة وشرعية حقّ الدّولة في الاستيلاء
على أملاك الأجانب من منظور القانون الدّوليّ، والتّشريع الجزائريّ على النّحو
الذي يستطيع من خلاله القارئ الكشف عن الجهود المبذولة للتّوفيق بين كلّ من حقّ
الدّولة في ممارسة إحدى مظاهر سيادتها على إقليمها من جهة، وحقوق الأجانب
المقصودين بعبارة الغير التي تضمّنها عنوان بحثنا من جهة أخرى، و ذلك على ضوء الخطة الأتية:
مقدمة
الفصل الأول:
المشروعية الدّولية والداخلية لحق نزع ملكية
الأجانب
المبحث الأول:مدى مشروعية حق نزع ملكية الأجانب
المطلب الأول:مبررات رفض حق نزع ملكية الأجانب
المطلب الثاني:التأييد الدولي لحق نزع ملكية الأجانب
المبحث الثاني:تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب
المطلب الأول: تكريس
المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب النصوص الدستورية
المطلب الثاني:
تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب نصوص
التشريعات العادية
المطلب الثالث:
تكريس المشرع الجزائري لحق نزع ملكية الأجانب بموجب نصوص القانون
الإتفاقي
الفصل الثاني: قيود ممارسة حق نزع ملكية
الأجانب في القانون الدّولي و التشريع
الجزائري
المبحث الأول: قيد عدم مخالفة إلتزام تعاقدي سابق و
عدم التفرقة
المطلب الأول:قيد عدم
مخالفة إلتزام تعاقدي سابق
المطلب الثاني: قيد عدم التفرقة
المبحث الثاني:قيد
وجود غرض تحقيق منفعة عامة و الإلتزام بأداء التعويض
المطلب الأول: قيد
وجود غرض تحقيق منفعة عامة
المطلب الثاني: قيد
الإلتزام بأداء التعويض
خاتمة
[1] - د/ أحمد خيرت سعيد،
التأميم وملكية الأجانب، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 19 سنة، مصر،1963،
ص، 05.
لتحميل الكتاب كاملا
http://adf.ly/tr7MJ
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire