samedi 8 novembre 2014

الجزاءات و التدابير المطبقة لحماية البيئة

الجزاءات و التدابير المطبقة لحماية البيئة
  تتنوع الجزاءات والتدابير المنصوص عليها في القانون الجنائي للبيئة لأجل مواجهة الجنوح البيئية، فالتوجه الحديث للمشرع الجزائري هو تشديد العقوبات عموماً في مجال الجنوح البيئية، إلا أنه تختلف كيفيات مواجهة الخطورة الإجرامية للجانح البيئي على ضوء أحكام قانون العقوبات والقانون الجنائي للبيئة خصوصاً، إذ نجد المشرع الجزائري يفضل تارة العقوبة لأجل ردع الجانح، وتارة أخرى يعمد إلى التدابير الاحترازية ذات الهدف الوقائي.
الفرع الأول: العقوبات الأصلية
   وهي أربعة أنواع، نص عليها المشرع الجزائري: الإعدام، السجن، الحبس، والغرامة.
   وتعكس لنا هذه العقوبات خطورة الجانح، ونوع الجريمة البيئية المرتكبة: جناية، جنحة أو مخالفة.
1- عقوبة الإعدام: رغم الجدل الكبير الدائر حول هذه العقوبة، فإنه يمكننا القول بأنها تعكس خطورة الجانح بحيث لا يرجى إعادة تأهيله، وتعد هذه العقوبة أشد العقوبات.
   والواقع أن عقوبة الإعدام هي نادرة في التشريعات البيئية الجزائرية نظراً لخطورتها، فإذا كانت قوانين حماية البيئة تسعى من أجل حماية الحقوق الأساسية للأفراد ومن ضمنها الحق في الحياة، فإن التشريعات العقابية تصون هذا الحق أيضا، رغم أنها أحيانا تسلبه من الإنسان إلا أنها لا تلجأ إلى ذلك إلا في الحالات التي تكون فيها الجريمة خطيرة تمس بأمن المجتمع[1].
   ومن الأمثلة التي يمكن أن نعطيها في هذا المجال، ما نص عليه المشرع الجزائري في القانون البحري بحيث يعاقب بالإعدام ربان السفينة الجزائرية أو الأجنبية الذين يلقون عمدا نفايات مشعة في المياه التابعة للقضاء الجزائري[2].
   كذلك نص المشرع الجزائري على عقوبة الإعدام في قانون العقوبات، وذلك في حالة الإعتداء على المحيط أو إدخال مادة أو تسريبها في الجو أو في باطن الأرض أو في المياه بما فيها المياه الإقليمية، والتي من شأنها جعل صحة الإنسان أو الحيوان أو البيئة الطبيعية في خطر، وقد جعل المشرع هذه الأعمال من قبيل الأفعال التخريبية و الإرهابية[3].
2- عقوبة السجن: و هي العقوبة التي تقيد من حرية الشخص، وهي مقررة للجرائم الموصوفة بأنها جناية وتأخذ صورتان: سجن مؤبد وسجن مؤقت.
   ومن النصوص التي أشار فيها المشرع لعقوبة السجن المؤقت، ما تضمنه قانون العقوبات في المادة 432/2 التي تعاقب الجناة الذين يعرضون أو يضعون للبيع أو يبيعون مواد غذائية أو طبية فاسدة بالسجن المؤقت من عشر(10) إلى عشرين (20) سنة إذا تسببت تلك المادة في مرض غير قابل للشفاء أو في فقدان استعمال عضو أو في عاهة مستديمة.
   كما تعاقب المادة 396 من نفس القانون بالسجن المؤقت من (10) عشر سنوات إلى (20) سنة كل من يضع النار عمدا في غابات أو حقول مزروعة أو أشجار أو أخشاب.
   ولقد نصت المادة 66 من قانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها على مايلي:" يعاقب بالسجن من خمس(5) إلى ثماني (8) سنوات وبغرامة مالية من مليون دينار 1.000.000 دج إلى خمسة ملايين 5.000.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من استورد النفايات الخاصة الخطرة أو صدرها أو عمل على عبورها مخالفا بذلك أحكام هذا القانون".
3- عقوبة الحبس: لا تطبق هذه العقوبة إلا إذا كنا بصدد جنحة أو مخالفة بيئية، ومن خصائصها أنها عقوبة مؤقتة.
   وما يلاحظ أن أغلب عقوبات الجرائم البيئية في التشريعات الخاصة بحماية البيئة في الجزائر أخضعها المشرع لعقوبة الحبس، سواءاً اعتبرها جنحة أو مخالفة.
 أ/ ومن أمثلة عقوبة الحبس في قانون 03/10 المتعلق بقانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة:
1- ما نصت عليه المادة 81 التي تعاقب بالحبس من عشر(10) أيام إلى ثلاثة(3) أشهر على كل من تخلى أو أساء معاملة حيوان داجن أو أليف أو محبوس، في العلن أو الخفاء، أو عرضه لفعل قاس، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.
2- في إطار حماية الماء والأوساط المائية تعاقب المادة 93 بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل ربان خاضع لأحكام المعاهدة الدولية للوقاية من تلوث مياه البحر بالمحروقات والمبرمة بلندن في 12 ماي 1954، الذي ارتكب مخالفة للأحكام المتعلقة بحظر صب المحروقات أو مزجها في البحر، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.
 3- أما بخصوص المنشآت المصنفة تعاقب المادة 102 من نفس القانون بالحبس لمدة سنة واحدة كل من استغل منشأة دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة.
 4- وتعاقب المادة 107 بالحبس لمدة ستة(6) أشهر كل من أعاق مجرى عمليات المراقبة التي يمارسها الأعوان المكلفون بالبحث ومعاينة المخالفات المتعلقة بالبيئة.
 ب/ أما في قانون الصيد فنجد أيضا أمثلة كثيرة عن عقوبة الحبس نذكر من بينها:
1- ما نصت عليه المادة 85 والتي تعاقب بالحبس من شهرين(2) إلى ثلاث(3) سنوات كل من يمارس الصيد أو أي نشاط صيد أخر خارج المناطق والفترات المنصوص عليها في هذا القانون.
2- ويعاقب كل من حاول الصيد أو اصطاد بدون رخصة صيد أو ترخيص أو بإستعمال رخصة أو إجازة صيد الغير بالحبس من شهرين(2) إلى ستة(6) أشهر، ويعاقب بنفس العقوبة كل من يصطاد الأصناف المحمية أو يقبض عليها أو ينقلها أو يبيعها بالتجول أو يستعملها أو يبيعها أو يشتريها أو يعرضها للبيع أو يقوم بتحنيطها.
 ج/ نجد كذلك عقوبة الحبس أيضا في قانون الغابات إذ تنص المادة 75 منه على معاقبة كل من يستغل المنتجات الغابية أو ينقلها دون رخصة بالحبس من 10 أيام إلى شهرين.
 د/ عقوبة الحبس في قانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها:
1- تعاقب المادة 60 منه كل من يقوم بإعادة استعمال مغلفات المواد الكيماوية لإحتواء مواد غذائية مباشرة بالحبس من شهرين(2) إلى سنة، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.
2- كذلك يعاقب بالحبس من ثلاثة(3) أشهر إلى سنتين(2) كل من قام بخلط النفايات الخاصة الخطرة مع النفايات الأخرى[4]، ويعاقب بالحبس من ستة(6) أشهر إلى سنتين(2) كل من سلم أو عمل على تسليم هذه النفايات الخطرة بغرض معالجتها إلى شخص مستغل لمنشأة غير مرخص لها بمعالجة هذا الصنف من النفايات، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.
 ه/ في قانون المياه الجديد 05/12 نجد أيضا عقوبة الحبس:
فكل من يعرقل التدفق الحر للمياه السطحية في مجارى الوديان المؤدي إلى المساس بإستقرار الحواف والمنشآت العمومية والإضرار بالحفاظ على طبقات الطمي يعاقب بالحبس من شهرين(2) إلى ستة(6) أشهر وتضاعف العقوبة في حالة العود[5].
ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من يقوم بتفريغ المياه القذرة أو صبها في الأبار والينابيع وأماكن الشرب العمومية والوديان والقنوات أو وضع مواد غير صحية في الهياكل والمنشآت المائية المخصصة للتزويد بالمياه والتي من شأنها أن تؤدي إلى تلويثها، كما أن استعمال الموارد المائية دون الحصول على الرخصة من قبل الإدارة المختصة يعاقب بالحبس من ستة(6) أشهر إلى سنتين.
   هذه بعض الأمثلة عن عقوبة الحبس في قانون البيئة والقوانين الأخرى المرتبطة به، والذي لا يسعنا المجال على ذكرها لكثرتها، وإنما اكتفينا بذكر أهمها.
4- الغرامة: تعد الغرامة من أنجع العقوبات، ذلك لكون أغلب الجانحين البيئيين هم من المستثمرين الاقتصادين والذين يتأثرون كثيرا بهذا النوع من العقوبات، إلى جانب كون أغلب الجرائم البيئية جرائم ناجمة عن نشاطات صناعية تهدف إلى تحقيق مصلحة اقتصادية، بل إن الضرر البيئي لم يكن ليوجد لولا التعسف في الوصول إلى هذه المصلحة[6].
   وعلى كل فإنه لابد من الإشارة بإهتمام المشرع الجزائري من خلال القوانين الجديدة المتعلقة بالبيئة برفع الحدين الأقصى والأدنى لعقوبة الغرامة في الجرائم البيئية.
   ومن خصائص هذه العقوبة أنها قد تأتي في شكل عقوبة أصلية مقررة على الفعل المجرم ومن أمثلة ذلك:
   ما نصت عليه المادة 84 من قانون 03/10 التي تعاقب كل من تسبب في تلوث جوي بغرامة من 5000دج إلى 15000دج.
   كذلك ما نصت عليه المادة 97 من نفس القانون التي تعاقب بغرامة من مائة ألف دينار (100.000دج) إلى مليون دينار(1000.000دج) كل ربان تسبب بسوء تصرفه أو رعونته أو غفلته أو إخلاله بالقوانين والأنظمة في وقوع حادث ملاحي أو لم يتحكم فيه أو لم يتفاداه، ونجم عنه تدفق مواد تلوث المياه الخاضعة للقضاء الجزائري.
   ونجد الغرامة كعقوبة أصلية، في قانون الغابات 84/12 إذ تنص المادة 79 منه على أنه يعاقب بغرامة من 1000دج إلى 3000دج كل من يقوم بتعرية الأراضي بدون رخصة، ويعاقب بغرامة من 1000دج إلى 10.000دج عن كل هكتار كل من قام بتعرية الأراضي في الأملاك الغابية الوطنية.
   أما عن قانون المياه الجيد 05/12 فنجد أيضا عقوبة الغرامة، إذ يعاقب كل من قام باكتشاف المياه الجوفية عمدا أو صدفة أو كان حاضرا أثناء هذا الاكتشاف ولم يبلغ إدارة الموارد المائية المختصة إقليميا بغرامة من 5000دج إلى 10.000دج، وتضاعف العقوبة في حالة العود[7].
   ويعاقب بغرامة من 50.000دج إلى 100.000دج كل من يقوم ببناء جديد أو غرس أو تشييد سياج ثابت وكل تصرف يضر بصيانة الوديان والبحيرات والبرك والسبخات والشطوط.
   ولقد نصت المادة 55 من قانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها على أنه يعاقب بغرامة مالية من خمسمائة500دج إلى خمسة ألاف دينار 5000دج كل شخص طبيعي قام برمي أو يإهمال النفايات المنزلية وما شبهها أو رفض استعمال نظام جمع النفايات وفرزها الموضوعة تحت تصرفه من طرف الهيئات المختصة.
وقد تأتي الغرامة كعقوبة تبعية إضافة إلى عقوبة الحبس، ومن أمثلة ذلك ما نص عليها قانون البيئة 03/10 في مادته 102 بتوقيع غرامة خمسمائة ألف دينار 500.000دج على كل من استغل منشأة دون الحصول على رخصة، وذلك بالإضافة إلى عقوبة الحبس، وقد يصل مقدار هذه الغرامة إلى مليون دينار 1.000.000دج توقع على كل من استغل منشأة خلافا لإجراء قضى بتوقيف سيرها أو بغلقها[8].
   كما يعاقب قانون الصيد 04/07 بغرامة من عشرين ألف دينار 20.000دج إلى خمسين ألف دينار 50.000دج كل من حاول الصيد أو اصطاد بدون رخصة صيد أو ترخيص باستعمال رخصة أو إجازة صيد وذلك بحانب عقوبة الحبس.
   أما في قانون المياه 05/12 فتعاقب مادته 172 بغرامة من 50.000دج إلى مليون دينار 1000.000دج كل من يقوم بتفريغ مياه قدرة أو صبها في الأبار والحفر وأروقة إلتقاء المياه والينابيع وأماكن الشرب العمومية والوديان الجافة والقنوات إضافة لعقوبة الحبس.
الفرع الثاني: العقوبات البيئية التبعية والتكميلية
   تأتي هذه العقوبات في الدرجة الثانية بعد العقوبات الأصلية وهي:
1- العقوبات التبعية:
   لا نكون بصدد هذا النوع من العقوبات إلا إذا كنا بصدد جناية بيئية، والجنايات البيئية في التشريعات البيئية كما رأينا سابقا تعد قليلة، كون أغلب الجرائم هي جنح أو مخالفات، لكن يمكن تطبيقها على الجنايات المعاقب عليها بالمواد 87 مكرر، 432/2 و 396/2 من قانون العقوبات والمادة 66 من قانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات وإزالتها.
   ويعد الحجر القانوني أبرز هذه العقوبات، والذي يمكن تطبيقه على الجانح البيئي، ونعني به منع المجرم من حقه في إدارة أمواله طيلة مدة العقوبة، إلى جانب الحرمان من الحقوق الوطنية وهذه العقوبة تطبق بقوة القانون.
2- العقوبات التكميلية:
   هذا النوع من العقوبات تكمل العقوبة الأصلية، ومن أهم هذه العقوبات والتي يمكن أن تؤدي دورا هاما في مواجهة الجنوح البيئي لدينا:
 أ/- مصادرة جزء من أموال الجانح البيئي: وهو إجراء لا يطبق في الجنح أو المخالفات البيئية إلا بوجود نص قانوني يقرره، ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة 82 من القانون 01/11 المتعلق بالصيد البحري والتي تنص:" وفي حالة استعمال مواد متفجرة تحجز سفينة الصيد إذا كان مالكها هو مرتكب المخالفة ".
   وما نصت عليه المادة 89 من قانون الغابات 84/12 على أنه:" يتم في جميع حالات المخالفات مصادرة المنتجات الغابية محال المخالفة".
   كما تنص المادة 170 من قانون المياه 05/12 على أنه يمكن مصادرة التجهيزات والمعدات التي استعملت في إنجاز أبار أو حفر جديدة أو أي تغييرات بداخل مناطق الحماية الكمية[9].
 ب/- حل الشخص الاعتباري: أي منعه من الاستمرار في ممارسة نشاطه طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات وكان من الأحسن لو أخذت هذه العقوبة أي حل الشخص المعنوي كعقوبة أصلية تماشيا مع الإتجاه الحديث الذي أصبح يأخذ بالمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية.



[1]-  أ.حميدة جميلة. المرجع السابق. ص 162
[2] - أنظر المادة 500 من القانون البحري.
[3]- المادة 87مكرر و 87مكرر 1 من قاون العقوبات.
[4]- المادة 61 من قانون 01/19.
[5]- المادة 169 من قانون 05/12 المتضمن قانون المياه.
[6]-  أ. عبد الآوي جواد- المرجع السابق- ص:88.
[7]- المادتين 6و 166 من قانون 05/12 المتضمن قانون المياه.
[8] المادة 103 من قانون 03/10.
[9] حسب المادة 31 من قانون 05/12 المتضمن قانون المياه، يقصد بنطاق الحماية الكمية: هي الطبقات المائية المستغلة بإفراط أو المهددة بالاستغلال المفرط قصد حماية مواردها المائية.  

المتابعة الجزائية للجرائم البيئية

المتابعة الجزائية للجرائم البيئية
   أناط القانون مهمة تحريك الدعوى العمومية للنيابة العامة تمارسها بإسم المجتمع، وهذا كأصل عام، إلا أن المشرع أورد استثناء لهذا المبدأ من خلال السماح لجهات أخرى بتحريك الدعوى العمومية أخذاً بالنظام المختلط في مادة الإجراءات الجزائية، فيحق لكل متضرر من نشاط غير بيئي تحريكها، إلا أن أهم جهة خول المشرع لها أمر تحريك الدعوى العمومية من غير النيابة العامة في قانون البيئة 03/10 هي الجمعيات البيئية، وهذا ما من شأنه أن يعطي مصداقية أكبر للمتابعة الجزائية.
أولا-دور النيابة العامة في حماية البيئة
   تعتبر النيابة طرفاً بارزاً لمواجهة الجنوح البيئية، إذ تشكل الجهة المكلفة بمتابعة الجانح، وهذا باسم المجتمع، بعد أن تتوصل بمحاضر معايني الجنوح البيئية، أو بعد شكوى ترفع ضد الجانح وتبقى لها سلطة الملائمة pouvoir d’opportunité  leفي تحريك الدعوى العمومية أو وقف المتابعة. 
   وتمارس النيابة العامة اختصاصات واسعة بخصوص الدعوى العمومية فهي تنفرد بمباشرتها، حتى ولو تم تحريكها من طرف جهات أخرى.
   ولا يمكن أن تؤدي النيابة العامة دورها بشكل يسمح بمتابعة الجانح البيئي إلا مراعاة المسائل الآتية:
      - تنسيق التعاون وإحداث تشاور مستمر بينها وبين مختلف الجهات الإدارية المكلفة بالبحث عن الجرائم البيئية، فلقد تطرح أحيانا مسألة جهل التشريعات الخاصة ببعض المجالات البيئية، لاسيما النصوص التنظيمية من طرف أعضاء النيابة، فمثلا قد يتطلب القانون إجراءات إدارية وشروط محددة لممارسة نشاط قد يضر بالبيئة، ونتيجة عدم الإلمام قد تأمر النيابة العامة بحفظ الملف معتقدة عدم توافر الركن المادي للجريمة.
      - تأهيل أعضاء النيابة العامة، لاسيما في مجال الجنوح الاقتصادية والجنوح البيئية، عن طريق فتح دورات تكوين تهدف إلى التعريف بمختلف القوانين البيئية والأحكام التنظيمية في هذا المجال، والتي غالبا ما لا تنشر إلا على مستوى الجهات الإدارية المكلفة بها.
      - تحسيس أعضاء النيابة العامة بأهمية المجال البيئي، وبخطورة الجنوح البيئية[1].
ثانيا- التدخل القضائي لجمعيات حماية البيئة
   لقد سبق الإشارة إلى أن الجمعية تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد تأسيسها، فيكون لها الحق في التقاضي بأن تتأسس طرفا مدنيا في المسائل الجزائية والتي تمس المجال البيئي، وذلك حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام[2]، كما يمكن أن تفوض من طرف الأشخاص المتضررين لرفع الشكاوى وممارسة الحقوق المعترف بها للطرف المدني أمام القضاء الجزائي.
   ولكن رغم الجهود المبذولة من طرف الجمعيات البيئية، إلا أن دورها يظل ناقصا لعدة أسباب منها ضعف الإعتمادات المادية ونقص الوسائل المتاحة، إلى جانب كون القضاء الجزائري لا يزال مترددا في التعامل مع هذه الأشخاص المعنوية على خلاف نظيره الفرنسي.
   إن التدخل القضائي للجمعيات في المجال البيئي له ما يبرره، فإضافة إلى مساهمتها في الكشف عن الجنوح البيئية فهي تعمل على توضيح مدى خطورة الأضرار التي تنجم عنه والعمل على نشر وعي بيئي، وتفعيل الدور الوقائي لحماية البيئة[3].
   ولقد أكد المشرع في قانون 03/10 على هذا الدور الفعال للجمعيات من خلال توسيع اختصاصاتها وتدخلها في كل المجالات التي تمس البيئة، الشيء الذي يؤدي إلى إبراز الدور المرجو من هذه الجمعيات في مجال حماية البيئة وتحسين الإطار المعيشي


[1] -Patrick mistretta : « la défaillance de l’institution judiciaire se manifeste tout d’abord au sein du ministère public qui, bien souvent, n’intègre pas la lutte contre la délinquance écologique parmi ses objectifs prioritaires. L’indifférence de certains parquets concernant le contentieux écologiques est réelle, et elle se traduit sur le plan juridique par l’utilisation excessive du pouvoir d’opportunité des poursuites dans le sens du classement sans suite. A supposer les poursuites engagées, le procureur de la république préfère, dans la mesure ou la loi l’autorise, transiger avec l’administration plutôt que saisir le juge pénal. ». Thèse pour le doctorat en droit « la responsabilité pénale du délinquant écologique ». soutenue le 13 janvier 1998 à l’université jean moulin-lyon.
[2] - المادة 36 من قانون 03/10 .
[3] - أ.عبد اللآوي جواد- المرجع السابق- ص:85.

الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجرائم البيئية

الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجرائم البيئية
   كل التشريعات البيئية حددت الأشخاص المؤهلين لمعاينة الانتهاكات الصارخة لأحكامه، والذين يمارسون مهامهم جنبا إلى جنب مع الشرطة القضائية وهذا في مجال تخصَصاتهم، فإلى جانب مفتشي البيئة نجد أسلاك الدرك الوطني والأمن والشرطة البلدية، وشرطة المناجم[1]، ومفتشي الصيد البحري، ومفتشي العمل، ومفتشي التجارة، ومفتشي السياحة، وحراس الموانئ، وحراس الشواطئ، أعوان الجمارك، ضباط وأعوان الحماية المدنية[2].
   كما استحدث المشرع في قانون المتعلق بالمياه شرطة المياه[3] والذين يعتبرون أعوان تابعين للإدارة المكلفة بالموارد المائية يؤدون اليمين القانونية، ويؤهلون بالبحث ومعاينة مخالفات التشريع الخاص بالمياه، ولقد منحهم هذا القانون سلطة الدخول إلى المنشآت والهياكل المستغلة بعنوان استعمال الأملاك العمومية للمياه، كما يمكنهم مطالبة مالك أو مستغل هذه المنشآت والهياكل بتشغيلها من أجل القيام بالتحقيقات اللازمة، كما يمكنهم أن يطلبوا الإطلاع على كل الوثائق الضرورية لتأدية مهمتهم، ويمكنهم تقديم كل شخص متلبس بتهمة المساس بالأملاك العمومية للمياه، أمام وكيل الجمهورية أو ضابط الشرطة القضائية المختص، ولهم الحق في طلب تسخير القوة العمومية لمساعدتهم لممارسة مهامهم[4].
   إلا أنه وبالرغم من هذا العدد الكبير لمعايني الجرائم البيئية، فإن التجربة والواقع أثبتا وجود صعوبات جمة تعترضهم بمناسبة أداء مهامهم، سواء تعلقت بنقص التأهيل العلمي المتخصص لبعض الأسلاك أو قد تعود لضعف الإمكانيات المتاحة[5].
   ولعل أهم جهاز أنيط له مهمة معاينة الجرائم البيئية هم مفتشوا البيئة، فلقد نصت أحكام قانون البيئة 03/10 على أنه يؤهل لمعاينة مخالفات وجنح هذا القانون مفتشوا البيئة، وهذا سواء تعلق الأمر بالجرائم التي نص عليها، أو حتى تلك التي هي منصوص عليها في قوانين أو نصوص تنظيمية أخرى تهتم بالبيئة.
   ولقد حدد المشرع بموجب المرسوم الرئاسي 88/277 إجراءات تعيين مفتشي البيئة وكذا مهامهم[6] التي يباشرونها بعد أداءهم لليمين القانونية أمام محكمة مقر إقامتهم الإدارية.
   أما عن أهم اختصاصات مفتشوا البيئة فهي تتمثل في:
      - السهر على تطبيق النصوص التنظيمية في مجال حماية البيئة و في كل مجالاتها الحيوية الأرضية الجوية، الهوائية، البحرية، وهذا من جميع أشكال التلوث.
      - مراقبة مدى مطابقة المنشآت المصنفة للتشريع المعمول به، وكذا شروط معالجة النفايات أيا كان نوعها ومصدرها، ومراقبة مدى احترام شروط إثارة الضجيج.
      - التعاون والتشاور مع المصالح المختصة لمراقبة النشاطات المستعمل فيها مواد خطيرة، كالمواد الكيماوية والمشعة ومراقبة جميع مصادر التلوث والأضرار.
   ويوضع مفتشوا البيئة تحت وصاية وزير البيئة، الذي بإمكانه هو أو الوالي المعني أن يسند لهم أية مهمة في المجال البيئي.
   وفي إطار أداء مهامهم فإن لهم أن يحرروا محاضر بالمخالفات التي عاينوها والتي يجب أن تحتوي على:
      - اسم ولقب وصفة مفتش البيئة المكلف بالرقابة.
      - تحديد هوية مرتكب المخالفة ونشاطه وتاريخ فحص الأماكن، اليوم، الساعة، الموقع والظروف التي جرت فيها المعاينة، والتدابير التي تم اتخاذها في عين المكان.
      - ذكر المخالفة التي تمت معاينتها والنصوص القانونية التي تجرم هذا الفعل .
   ويلزم القانون مفتش البيئة بإرسال محاضر المخالفات إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا خلال 15 يوما من تاريخ إجراء المعاينة، كما ترسل هذه المحاضر إلى المعني بالأمر، وهذا تحت طائلة البطلان[7]  .
   وتجدر الإشارة بأن لهذه المحاضر حجية إلى غاية إثبات العكس، وللإعتداد بهذه الحجية يشترط في المحضر:
      - أن يكون صحيحا ومستوفيا لجميع الشروط الشكلية.
      - أن يكون قد تم تحريره من طرف مفتش البيئة ويكون داخلا في اختصاصاته، وأن لا يحرر فيه إلا ما  قد يكون عاينه.
      -عدم تجاوز الصلاحيات المحددة لمفتش البيئة


[1]-  المادة 54 من قانون 01/10 المتضمن قانون المناجم تنص:" تنشأ شرطة المناجم المشكلة من سلك مهندسي المناجم التابعين للوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية..." كما تنص المادة 178 من نفس القانون:" ... يترتب على معاينة مخالفة ما، إعداد محضر يسرد فيه العون المحرر للمحضر بدقة الوقائع المثبتة و كذا التصريحات التي جمعها... تبقى حجية المحاضر قائمة إلى غاية إثبات العكس، وهو لايخضع إلى التأييد.... يرسل المحضر إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا في أجل لا يتجاوز ثمانية (8) أيام مع إشعار الوكالة الوطنية للجيولوجيا و المراقبة المنجمية بذلك"
[2] - المادة 111 من قانون 03/10 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
[3] - المادة 159 من قانون 05/12 المؤرخ في 4 سبتمبر 2005 المتعلق بقانون المياه.
[4]- المواد 161 ،165،164،163،162 من قانون 05/12.
[5] - أ.عبد اللآوي جواد - المرجع السابق-ص:63 .
[6] - المرسوم الرئاسي رقم 88/277 المؤرخ في 5/11/1988 المتضمن اختصاصات أسلاك المفتشين المكلفين بحماية البيئة و تنظيمها و عملها .
[7] - المادة 112 من قانون 03/10 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.